الأربعاء، 25 مارس 2015

المرأة والتعليم … بين الشمعة والدهاليز

وبعد أن أصبحت روايات الكاتب الجزائري الكبير ” الطاهر وطار” رفيقتي الأسبوعية في رحلتي للدراسة بين المدينتين التي تدوم ساعتين ، كثيراً ما صرت أجد نفسي متلبسة ببعض أفكاره، فلقد صارت تلك  الأربع ساعات الأسبوعية موعدي الذي لا أخلفه مع “عمي الطاهر” كما يحلو لي أن أسميه، لكن هذه المرة ليست كسابقاتها، لأن ما أثار اهتمامي في رواية “الشمعة والدهاليز”، ليس موضوعها الأساسي ولا سياقها التاريخي أو السياسي بل جملة عابرة في حوار عابر بين الشخصيات…  (المرأة عندنا تتعلم ولا تتثقف، تتعلم نمط حياة ولا تتعلم كيف ترى الحياة)، هذه  الجملة جعلتني أتساءل عن التكوين الذي تتلقاه المرأة، وهل تلك الشهادات التي تحصدها النساء تعكس حقاً مستواهن الثقافي؟ وهل تلك الشهادات تصنع فكراً حقيقياً، أم أن المرأة ستتخلى عنها عند أول منعرج في حياتها لتتصرف بما ورثته من أمها وجدتها؟ وهو ما جعلني أفكر أيضا في ذلك الربط بين المستوى الثقافي والاجتماعي للمرأة وخروجها للعمل كل يوم، وربما ما نواجهه اليوم من مشاكل للفهم المعكوس والقيم التي تهدم واحدة تلوى الأخرى، يعود إلى أننا أجبرنا المرأة على الخجل من كونها “مجرد” ربة بيت، ولتثبت لنا ذاتها جعلناها تتخلى عن أهم دور لها وهو صنع الإنسان، وبالتالي عدم اهتمامها بتكوين وبناء ذاتها لتكون قادرة على القيام بهذه المهمة العظيمة، وعوضاً عن ذلك صارت مهتمة بتحصيل الشهادات والألقاب…
وفي مقطع آخر من الرواية عرض الكاتب حال أحد الأُسر الجزائريةً المتكونة من خمسة بنات في زمن قريب، و كيف أن إحدى البنات قررت أن لا ترتدي الحجاب لكي تتميز عن باقي أخواتها الأربعة … (إنك جعلتنا نتشابه مثل قناني اللبن يا أمي، دعيني أكن كيس لبن على الأقل)، في انعكاس لحال الكثيرات ممن جعلن قيمتهن في شكلهن، متجاهلات لقيمة عقولهن، فما فائدة أن يعلو كعبك العالي، إن كنت ستسقطين عند أول حوار لك، بل ربما عند أول جملة منك، فهناك أشياء تعلو بالأنثى لا علاقة لها بالكعب العالي، هذه الجزئية بالذات جعلتني أتذكر ذلك الأستاذ الجامعي الذي قال لي يوماً ما: “أنك من دون حجاب أذكى و أكثر انطلاقاً”، فما كان لي إلا أن أجبته أن الحجاب على رأسي وليس على عقلي، فتلك النظرة المجتمعية التي أصبحت تقيس ثقافة المرأة، وتربط قدراتها بتحررها من أفكار يرون بأنها موروث قديم، ولا يرون أن ما تؤمن به ليس مجرد نمط حياة بل هو أسلوب عيش مبني على رؤيتها الخاصة للحياة…
إن المرأة اليوم  تغوص في دهاليز كثيرة كل دهليز يقودها إلى دهليز أكبر و أكثر تعقيدا، في رحلتها لإثبات ذاتها، وربما الشمعة الوحيدة التي تضيء طريقها للخروج بسلام من هذه الدهاليز، هو سعيها لبناء ذاتها دون أن تدير ظهرها لوظيفتها الأساسية في هذه الحياة، ودون أن تنسى أن قيمتها ليست أبدا في شكلها، بل في تلك الروح التي تسكنها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق